ونحن نجد في رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حكام العالم تأكيده الدائم على شهادة (لا إله إلا الله) في عصر طغت فيه الربوبيات الزائفة واتخاذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله. ولم يتهادن الرسول صلى الله عليه وسلم في طرح هذا الشعار إزاء حكام العالم، كما لم يتهادن به في صراعه مع الوثنية العربية منذ أول لحظة، فهو المنطلق الأساسي للدعوة الجديدة، والقاعدة التي يقوم عليها صرح الإسلام وبدونها يتميع ويتفكك ويضيع. ونلمح، في الوقت نفسه- وفيما وراء هذا الشعار- مرونة وتكييفا دبلوماسيا كان الرسول يصوغ بموجبه رسائله إلى الحكام فيعرض عليهم بعض جوانب اللقاء الديني بين الإسلام والنصرانية، ويمنيهم بالخير العميم في الدنيا والآخرة في حال انتمائهم للدين الجديد، الذي هو ليس سوى إتمام للشوط الذي كان موسى وعيسى عليهما السلام قد سارا عليه من قبل، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يدفع خلال السطور كلمات وعبارات ينذرهم فيها أنهم إن لم يستجيبوا فإنهم سيعرضون مراكزهم للخطر وزعاماتهم للبوار!! وكان صلى الله عليه وسلم فضلا عن هذا وذاك يقدر طبيعة الموقف الذي يصدر عنه (الحاكم) فيرد عليه بما يشبهه ويوازيه: تهديدا للحاكمين الذين يتمادون في الضلال ويشيحون عن مصدر النداء، ويعربون عن مواقفهم بكلمات وألفاظ عدائية، وقبولا وانفتاحا على الساسة الذين يصدرون عن نيات طيبة وإخلاص صادق.

إلا أن المكسب الأكبر الذي حققه صلى الله عليه وسلم من وراء مكاتباته تلك، أنها جاءت حملة (إعلامية) على النطاق الدولي من أن هذا الدين ليس دين عرب أو جزيرة عربية، وإنما هو دين الإنسان حيثما كان هذا الإنسان.. ونداء إلى السلطات الحاكمة أن تستجيب للدعوة أو تسمح- على الأقل- لدعاتها بممارسة نشاطهم بحرية ولشعوبها في مقابلة هؤلاء الدعاة والاستماع إليهم لكي يختاروا عقيدتهم على بيّنة، بعيدا عن الضغط والقسر والإكراه.. وإنذارا لهذه السلطات بأنها إن لم تلبّ وتستجيب فإن جيوش الدعوة الجديدة ستنساح عما قريب في مشارق الأرض ومغاربها، لكي تسقط التيجان وتثل العروش وتنزل السلطات من مناصبها العليا، وتخرج الناس- بذلك وحده- من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.

إن توسيع ميدان الدعوة بحيث تشمل المعمور من أرض الله يومئذ أمر يثير التأمل. لقد كان العرب يستكثرون النبوة على واحد منهم ويوسعونه جحودا، فما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015