خَلَيْتُ دابتي خليًا, إذا جززت لها الخلا، وهو الرطب1.
والأمثلة التي ذكرناها عن المعاقبة قليل من كثير مما انطوت عليه بطون المعجمات والقواميس، فلا سبيل إلى إنكار ما تنطق به من ميل بعض العرب إلى الكسر، وبعضهم إلى الضم، ولا مفر من الاعتراف بتفضيل الحجازيين الكسر على الضم.
وقد يبدو غريبًا لأول وهلة أن يجنح التميميون إلى الإمالة -وهي صوت مائل إلى الكسرة- بينما يحتفظ الحجازيون بالفتح. إلّا أن بعض النظر كافٍ في أظهار الفرق بن الموضوعين، فالمقابلة بين الضم والكسر مقابلة بين صوتين متشابهين؛ لأنهما كليهما من أصوات اللين الضيقة، غير أن أحدهما -مع ذلك- أشد من الآخر وأفخم، وهو الضم طبعًا. فأما بين الإمالة والفتح، فالأخف هو الفتح، ولا سيما لأنّ الإمالة ليست كسرة خالصة، فضلًا على أن من الإمالة ما يكون ميلًا إلى الضم، كقولهم: بُوعَ, بإشمام الياء صوت الواو عوضًا عن بيع2.
وفي الإمالة بنوعيها -الجانح إلى الكسر والجانح إلى الضم- ضرب من الاشتراك الصوتي لا يُعْطَى به اللفظ الممال حقه من النغم الخاص به, ومثل هذا الاشتراك في النطق بالأصوات لا يستغرب من قبيلة بدوية كتميم، وإنما يستغرب منها العكس؛ لأن تحقيق جميع أصوات اللفظ وإعطاءها حقها من النغم طور نهائي في صقل اللغة واستكمال أدواتها، فهو أجدر أن يكون وظيفة اللغة الأدبية المصطفاة، لا وظيفة من البدو الرحَّل, قابلة للتغير والتأثير والعدوى تبعًا لتنقلات أصحابها الذين لا