التطور والنماء، بل لعل ظاهرة "السبك القالبي" -رغم ما توحي به من رتابة وجمود- أعود في بعض الوجوه على اللغة بالثراء والنماء من ظاهرة الحركة الاشتقاقية؛ لما امتازت به العربية من كثرة الأبنية والصيغ التي تعوض بأوزانها المتناسقة، المتنوعة، أجمل آيات الاشتقاق والتوليد. وإن لك إذن أن تقدر جسامة الخطأ الذي وقع فيه بروكلمان رضي الله عنهrockelmann حين أطلب القول بأن اللغات السامية تخلو من الصياغة التركيبية1، شاملًا بحكمه هذا حتى العربية التي لا يرتاب باحث محقق في شدة تعويلها على البناء والتركيب.

ولقد حاول العلماء من قبل -حين أدهشتهم هذه اللغة بأبنيتها المتكاثرة- أن يحصوا صيغ الأسماء والأفعال لعلهم يحصرون القوالب التي يبني الفصحاء على مثالها ألفاظهم ثقالًا أو خفافًا في تطابق نفسي كامل مع حال المخاطبين، لكن محاولاتهم باءت بالخسار، فما تيسر لأحد منهم -مهما يكن قد أكثر- أن يستوعب هاتيك القوالب، فإذا هم يستعيضون عن هذا البحث الإيجابي العسير ببحث سلبي يسير؛ فمن لم يحصر الأشباه والنظائر عن طريق الأبنية التي جاءت على لسان العرب اضطلع بحصر الألفاظ التي خرجت عن هذا اللسان المصطفى، وظن بعد ذلك أنه بلغ بسعيه ذروة المنتهى!

على هذا الأساس وضع ابن خالويه2 مصنفه الحافل "كتاب ليس" في مجلدات ثلاث ضخام3، وأنشأ يتحدث عن كل ما لم يرد في لغة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015