استناده إلى نصوص لا تقبل الجدل لما تجرأ على الذهاب في النحت ذاك المذهب البعيد.
على أن في النحت شبهة ما تزال قائمة، فكل باحث منصف يعلم أن اللغويين عولوا على الاشتقاق في تعريب المصطلحات، فوجدوا عربيات فصيحات قتلت الأعجميات الدميمات. واستعملوا القياس للسولوجسموس، والخطابة للريطوريقي، والشعر للبيوطيقي1. وكل باحث منصف يعلم أيضًا أن إمام القائلين بالنحت، ابن فارس نفسه، فسر بأمثلته الكثيرة ما اعترى بعض مزيدات الثلاثي من زيادة اللفظ واختزال المعنى، فعلل بذلك ما لاحظه من النحت في كلمات يرجح أن العرب ألفتها وألصقت أركانها ولم تضعها رباعية أو خماسية وضعًا، ولكنه لم يقترح من تلقاء نفسه نحت كلمة من كلمتين أو أكثر لأداء معنى علمي، أو ترجمة اصطلاح فني، أو تعريب مفهوم فلسفي، أفلا يكفي عمل اللغويين وأصحاب النحت لإثبات أن اختزال الكلمات سماعي، وأننا لا ننحت من الكلام إلا ما أخبرنا عنه الرواة أنه منحوت؟
ولقد أجاب اللغويون العصريون عن هذه الشبهة فأحسنوا الجواب، فما اللغة إلا أداءة مرنة مطواع للتعبير عن حاجات الأفراد والجماعات. وإن لم يجد اللغويون القدامى دافعًا لترجمة المصطلحات نحتًا واختزالًا فقد اشتدت بنا الحاجة إلى مثل هذه الترجمة بأقصر عبارة ممكنة، بعد أن اتسعت آفاق البحث العلمي والفني بما لم يحلم به أسلافنا من قبل. ولسنا نرتاب في أن الاشتقاق هو أهم الوسائل "لتكوين كلمات جديدة بقصد الدلالة على معان جديدة"2، فلا يكون استعمالنا للنحت إلا وسيلة إضافية