ومن خلطه المنحوت بالأعجمي المعرب قوله بنحت "جردب الرجل طعامه" إذا ستره بيديه كي لا يتناول1، من كلمتين: من "جدب" لأنه يمنع طعامه، فهو كالجدب المانع خيره، ومن الجيم والراء والباء، كأنه جعل يديه جرابًا يعي الشيء ويحويه2، مع أن للكلمة أصلًا أعجميًّا هو "كَرْدهْ بانْ" أي حافظ الرغيف3.

ومن ذلك أنه استهل "باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله فاء" بالفرزدقة التي هي القطعة من العجين، فرأى أنها كلمة منحوتة من كلمتين، من "فرز" ومن "دق"؛ لأنه دقيق عجن، ثم أفرزت منه قطعة، فهي من الفرز والدق4. لكن للكلمة أصلًا أعجميًّا هو "برارده"، فهي معربة عن الفارسية5.

وإنه ليبدو لنا -رغم هذا الخلط بين المنحوت والمشتق، وبين المنحوت والمعرب- أن ابن فارس كان دقيق الحس في التمييز بين ما زيد اشتقاقًا وما زيد نحتًا، ففرق بين البلعوم والحلقوم -وهما على وزن واحد- إذ جعل البلعوم منحوتًا من "بلع" بزيادة الميم التي قدرها العلماء رمزًا لفعل "طَعِم"6، ونفى أن يكون الحلقوم منحوتًا؛ لأن أصله الحلق، وإنما زيدت فيه الميم7، كأنه يرى الميم المزيدة فيه لا تعوض مادة مختزلة مقدرة، وإنما جيء بها مع الواو المشبعة على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015