عرف أن شيئًا ما حرام بالنص، ولا يحتاج فيه إلى استنباط علة، لينقل حكمه إلى غيره، فسأل لم حُرِّمَ؟ فإن الجواب على ذلك غير واجب على الفقيه"1.
وانتقلت عدوى المنطق الأرسطي أيضًا إلى العربية عند تطبيق المقولات العشر على أبوب النحو ومباحثه، ومن المعلوم أن هذه المقولات هي:
الجوهر والكم والكيف والزمان والمكان والإضافة والوضع والملك والفاعلية والقابلية2, ومن السهل أن نقارن بين الدراسات النحوية العربية وتلك المقولات إذا تجردنا في نظرتنا إلى بحوث بعض العلماء المعاصريين3.
أما مباحث القوم حول أصل اللغة، إلهام هي أم اصطلاح، فكانت ذات وجهين، كلاهما يخرج عن المنهج اللغوي الوصفي, ثم يتلون باللون المناسب له، أما أحدهما فغيبيّ "ميتافيزيقي" لا يخلو من سذاجة، كقول ابن فارس: "إن لغة العرب توقيف، ودليل ذلك قوله جل ثناؤه: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، فكان ابن عباس يقول: "علمه الأسماء كلها، وهي هذه التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها ... "4. وأما الآخر فمنطقيٌّ في تعابيره واستنتاجاته، لتأثره بالمناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، ولا سيما إذا وصفت هذه المناسبة بأنها ذاتية موجبة لا يجوز أن تتخلف، كما كان يرى عباد بن سليمان الصيمري من المعتزلة5. ولا يبتعد عن هذه الميدان المنطقي تساؤل ابن جني عن اللغة: أمواضعة هي أم إلهام؟ 6