وليست قصة الاختلاف في الصقر والسقر والزقر عنا ببعيد1, ولا تقل عنها طرافة قصة إمام الصرفيين أبي عثمان المازني2 مع الخليفة الواثق بالله حين غَنَّت جارية بحضرته بقول العَرْجِيّ:
أظلومُ إن مُصابكم رجلًا ... أهدى السلام تحيةً ظلمُ
فاختلف من كان بالحضرة في إعراب "رجلًا" فمنهم من نصبه ومنهم من رفعه، والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب, فأمر الواثق بإشخاصه. وقال أبو عثمان: فلما مثلت بين يديه قال: ممن الرجل؟ قلت: من بني مازن, قال: أي الموازن؛ أمازن تميم, أم مازن قيس, أم مازن ربيعة؟ قلت: مازن ربيعة، فكلمني بكلام قومي, وقال: "با اسمك"؟ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميمًا! قال: فكرهت أن أجيبه على لغة قومي كيلا أواجهه بالمكر! فقلت: بكر يا أمير المؤمنين, ففطن لما قصدته وأعجب به3.
فهذه الأمثلة كلها -على أنها من تنوع اللهجات- مرَّت بمراحل طويلة حتى تطورت فيها الأصوات، وتأثر بعضها ببعض، بسبب التجاور والتقارب في صفاتها ومخارجها.
لكن الطريف في الأمر أنّ في الأمثلة المحفوظة عن الإبدال اللغوي ما تباعدت فيه الأحرف المبدلة صفة ومخرجًا، حتى قال العلماء: "قَلَّمَا تجد حرفًا إلّا وقد وقع فيه البدل، ولو نادرًا"4.