الصورة الثنائية، ويكتشفون الحرف الذي ثلث أصلها قيمة بيانية خاصة1.

فإذا كان حرفٍ في كلِّ مادةٍ يتمتع بهذه الدلالة السحرية الذاتية، فلا ضير في تقليب كل مادة على وجوها المحتملة، ولا ضير أن تأتي فاء الكلمة في موضع العين أو اللام، ولا أن تأتي اللام في موضع الفاء أو العين، ولا أن تحلَّ العين محل اللام أو الفاء، فإن كل حرف منها -قُدِّمَ أو أُخِّرَ- يوحي بمدلوله الذاتي الخاص، والفروق الدقيقة التي قد تنشأ أحيانًا عن هذا التقديم أو ذاك التأخير، إنما تنبيء عن أسرار هذه اللغة العجيبة المعجزة، من غير أن تؤثر في المعنى العام الذي تدل عليه المادة بمجموع حروفها المعبرة.

وأكثر الأمثلة التي قُلِبَت هذا القَلْب اللغوي على طريقة الاشتقاق الكبير ثلاثية الأحرف, والقائلون بثنائية اللفظ العربي يوفرون شواهد القلب اللغوي من الثلاثي المضعَّف قبل سواه؛ لأن صورته أقرب إلى صورة الثنائية، ولأن جريان القلب فيه أيسر من جريانه في غيره, فما يتصور فيه عقلًا إلّا تقليبان فقط، نحو: جَرَّ - رَجَّ، ففي كليهما معنى التحرك والاهتزاز2؛ دقَّ - قدَّ, وفي كليهما معنى فصل أجزاء الشيء بعضها عن بعض3، تلَّ -لتَّ، وفي كليهما معنى البل والصبّ4.

ويلي هذا القلب في اليسر والسهولة التقاليب العقلية المحتملة في الثلاثي غير المضعف، وجميع ما نقلناه عن ابن جني صورة واضحة عنها يحتذى على مثالها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015