كثرة الاستعمال، تتردافان وتتعاقبان حين لا يجد المتلكم سبيلًا لتحديد المعنى وتفصيله، فلا تُنُمَّان إلى عن مقابلة حالٍ بحال، فحال القوة تقابل حال الضعف، وحال الشدة تقابل حال الوهن، ولا ضير أن يكون مبلغ القوة والشدة في البروج والحصون، كمبلغ القوة والشدة في بَرَج العيون!!
لو قارنّا صنيع ابن جني في هذه التقاليب بصنيع ابن فارس المعاصر له الذي كان لا يؤمن بهذا الاشتقاق الكبير، لرأينا ابن فارس في هذا الموضع1 أكثر اعتدالًا وأهدى سبيلًا, فما من ريب عندنا في أنه اطلع على ما جاء في الجمهرة، إن لم نقل إنه حفظ جُلَّهُ في لوح قلبه، ولكنه حين ذكر في "المقاييس" صور هذه التقاليب في المواضع المناسبة لها، تبعًا لمنهه في معجمه، لم يفسّرها جميعًا بالقوة والشدة جملة واحدة، بل رَدَّ بعضها إلى أصل، وبعضها إلى أصلين؛ وتخرج مقتنعًا إذا تَلَبَّثْتَ في قراءة الأصول التي أوردها أن لا جامع يربط بين بعضها وبعض، وأن هذا الجامع -إن أدركه النظر الثاقب- ضعيف أوهن من خيط العنكبوت.
أ- أما تقليب "ج ب ر" فيرى أنه أصل واحد، وهو جنس من العظمة والعلو والاستقامة2. ويفسر به "الجبار" الذي طال وفات اليد؛