منهج فقه اللغة واستقلاله:

وحين نأخذ بهذا الاصطلاح، يسهل علينا أن نحدد نطاق فقه اللغة، سواء أتعلق بعرض المباحث القديمة عرضًا جديدًا, أم يقوانين علم اللغة في العصر الحديث، فليس شرطًا لازمًا أن يتحدث العالم اللغوي بعدة لغات؛ لأن كثيرًا من علماء اللغة وفقهائها المشاهير لم يكونوا قادرين على الاستخدام العمليّ لأية لغة غير لغتهم القومية1. على أننا لا نجحد الثمرات التي يجنيها فقه اللغة إذا أجاد تلك اللغات قراءة وكتابة وحديثًا، فلا ريب أنها توطئ لمباحثه، وترفده بالدقة فيما يستخلصه من الأحكام.

وفي دراسة لغتنا العربية, بخاصة أعظم بالباحث إذا كان ملمًّا ببعض اللغات السامية؛ كالسريانية والعبرية! فبهذا الإلمام يلاحظ مواطن التقارب والاختلاف، والأخذ والاقتباس.

ومنهج فقه اللغة في البحث مستقلٌّ كل الاستقلال عن مناهج العلوم الأخرى، فيجب إقصاء التفكير الفلسفي عنه، لئلَّا تجيء الأحكام فيه مطبوعة بالطابع الغيبي أو "ما وراء الطبيعة"، أو المنطق الصوري.

ولعل فقه اللغة في آثار علمائنا القدامى لم يأت بالكثير من الآراء الأصلية؛ لأنهم عدوه جزءًا لا يتجزأ من التفكير الفلسفي القديم، ولا سيما التفكير اليوناني الذي كان يرى أن "دراسة اللغة اليونانية في تراكيبها وأساليبها تصدق على جميع لغات العالم؛ إذ لا مناص من أن تجري تلك اللغات على مقياس اليونانية2".

وعندما نطرح جانبًا كل أثر للمباحث التي لا تتعلق باللغة تعلقًا وثيقًا، نستطيع أن نعرف فقه اللغة بأنه "منهج للبحث استقرائي وصفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015