وإن الرسول لأحكم من أن يتساهل في هذا، وهو الذي امتنَّ عليه الرحمان، بتعليمه القرآن والبيان1، وأمره أن يرتل الوحي ترتيلًا, حتى غدا يحض أصحابه على التغني به, وتزيين أصواتهم بقراءته2.
إن التساهل في إعراب بعض القرآن ضرب من التخفيف على قارئيه، لا شيء أكثر شبهًا به من الحروف السبعة التي قرأ عليها العرب القرآن، وكلها شافٍ كافٍ3، فكما سمعنا بعربيٍّ من إحدى القبائل لا يطيق أن يلحن بغير لحن قومه4، من الناحية الاجتماعية، لتأثره بلهجته القبلية، لا يعجزنا أن نتصور عربيًّا من الصحابة يضعف عن النطق ببعض الأحرف بنسبة واحدة في وضوح المخرج، لما في لسانه من العيوب، من الناحية الفردية الخاصة، فمثله يتساهل معه، ولا يكلف إلّا وسعه، وغيره من الفصحاء يشجع على سلامة نطقه، وترتيله القرآن بلسان عربين مبين.
ومهما تكن البواعث النفسية التي أهابت ببعض النحاة إلى وضع شيءٍ من الحديث يكرِّه إلى الناس اللحن ويحبِّبُ إليهم الإعراب، ومهما نستبعد صحة ما وضعوه أو أوَّلوه على ما حلا لهم، فلسنا نجد باعثًا منطقيًّا يحملنا أيضًا على استبعاد الأخبار الموقوفة على بعض الصحابة الذين كانوا يحذرون من اللحن أو يظهرون الكراهة له؛ كحديث عمر مع القوم الذين أساءوا الرمي فقرعهم, فقالوا: "والله لخطؤكم في لسانكم أشد علي من خطئكم