لم توضع إلّا حفاظًا عليه، ولم تستنبط -أول ما استنبطت- إلّا من نصوصه الفصحى؟!
فهل سمعت بعد هذا البيان برأي أعجب، وخيال أخصب، وقول أدعى إلى الهزء والسخرية، مما ذهب إليه المستشرق فولرز K. Vollers من أن القرآن نزل أول الأمر بلهجة مكة المجردة من ظاهرة الإعراب؛ ثم نقَّحَه العلماء على ما ارتضوه من قواعد ومقاييس، حتى أضحى يقرأ بهذا البيان العذب الصافي، وغدا في الفصاحة مضرب الأمثال1؟!
ألَا وإن كبار المستشرقين لم يستسيغوا هذا الرأي العقيم, فلقد قَيَّضَ الله لكتابه مستشرقًا آخر أشهر من فولرز, وأكثر منه تحقيقًا وتدقيقًا, هو نولدكه Noldeke، كفانا مؤونة الرد على هذه الرأي الصبياني وسفهه, وفنَّدَه ونقده نقدًا علميًّا موضوعيًّا، أقام فيه الحجة على أن أغلب ما توهمه فولرز تجردًا من الإعراب إنما كان صورًا من تساهل الناس في القراءة بعد اختلاطهم بالأعاجم وشيوع اللحن والتحريف، فليس للنص القرآني صلة بشيء من هذه الملاحن من قريب أو من بعيد2.
ودقة المقاييس التي وصلت بها احاديث النبي الكريم تنهض حجة دامغة على أن أقواله نقلت معربة أيضًا، فقد كان الرواة على نقل أحاديث النبي أحرص منهم على أشعار الجاهليين، وكانوا يعتقدون أن هذا الأمر دين3، فبالغوا في رواية الحديث باللفظ، وشددوا