مكانها من النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها"1.
وشأن عبد القاهر هنا شأنه في الحالة السابقة، حيث أوجز الكلام إيجازا "وهو كلام نظري في جملته مكرر في أكثر من موضع في كتابه"، فلم يأت بتفاصيل مبينة أو أمثلة موضحة لكيفيات استعمال الكلام في إطار عنصري نظريته، الاختيار والموقعية. ولسنا ندعي أننا قادرون في هذا البحث على أن نأتي بالبدع أو بما لم يأت به الأولون والآخرون، وإنما سنحاول جهد الطاقة أن نلقي ضوءا على فكرة الاختيار هذه عن طريق مناقشاتنا لبضع صوره وأمثلته التفصيلية، كما التقطناها التقاطا من أخطاء الطلاب في هذا المجال.
والملاحظ أن الطلاب "وغيرهم من المثقفين" يخرجون في كلامهم "المنطوق والمكتوب" على قواعد الاختيار2 المألوفة في اللغة الفصيحة خروجا يسترعي النظر ويقتضي منا وقفة متأنية قبل إصدار الحكم على هذا السلوك اللغوي الجديد. إن الناظر المدقق في عربية اليوم لا يكاد يجد جملة أو عبارة تخلو من اختيار كلمة أو صيغة3 لم تألفها هذه الفصيحة في استعمالاتها "التقليدية" أو لم تجد نوعا من التساؤل أو الاعتراض من بعض الدارسين. والحق أننا لو نظرنا إلى هذه "التجاوزات" "وما أكثرها! " بنظرة حرفية ملتزمة