يقول ابن جني: "إن أبا العباس كان يعد حروف المعجم ثمانية وعشرين حرفا، وجعل الباء أولها ويدع الألف من أولها ويقول: هي همزة" أي أن الألف نطقا ورسما هي ما عرف بالهمزة في فترات متأخرة. وهذا القول فيما يتعلق بهذه المنطقة هو ما رآه ابن جني نفسه حيث يقول: "اعلم أن الألف التي في أول حروف المعجم هي صورة الهمزة"1.

أما أن أبا العباس قد ترك الألف "الهمزة" ولم يذكرها في الأبجدية؛ فذلك لأنها -كما تقول عبارته التي رواها ابن جني- "لا تثبت على صورة واحدة، وليست لها صورة مستقرة، فلا أعتدها مع الحروف التي أشكالها محفوظة معروفة"2.

وهنا نرى أن المبرد قد وقع في خطأ واضح إذ هو قد خلط -بعبارته هذه- بين مستويين: مستوى النطق ومستوى الكتابة. إنه يعلل تركه للهمزة وعدم ذكره لها في الألفباء بتغير صوتها وعدم استقرارها على حالة واحدة. والواقع أن الذي يتغير إنما هي الصورة الكتابية للهمزة لا نطقها. فمن المؤكد أن الهمزة تنطق سواء أكتبتها على ياء أم واو، وبالطبع حين تكتب على صورتها الأصلية وهي الألف. وقد أدرك ابن جني بثاقب نظره هذا الخطأ الذي وقع فيه أبو العباس، فاعترض عليه بعبارة تنم عن ذكاء وعمق في فهم الحقائق، حيث استطاع أن يتذوق ما لم يستطع المبرد تذوقه من معرفة الفرق بين النطق والكتابة. يقول: "أما إخراج أبي العباس الهمزة من جملة الحروف واحتجاجه في ذلك بأنها لا تثبت صورتها فليس بشيء. وذلك أن جميع هذه الحروف إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015