اللغات السامية الأخرى، بل ربما كانت الآرامية السريانية أشد قبولا للبدء بالساكن من التحريك. ومن أجل ذلك صارت هذه الناحية من مميزاتها الظاهرة"1.
وإلى هنا يجوز لنا أن نسأل القائلين بهمزة الوصل: لم اختيرت الهمزة بالذات ليتوصل بها إلى النطق بالساكن؟ لِمَ لم يكن هذا الوصل صوتا آخر كالطاء أو الياء إلخ؟
يجيب ابن جني -بطريقته الفلسفية- عن هذا التساؤل بإجابتين اثنتين. يقول في إحداهما: "فإن قال قائل: ولم اختيرت الهمزة ليقع الابتداء بها دون غيرها من سائر الحروف، نحو: الجيم والطاء وغيرهما؟
فالجواب: أنهم أرادوا حرفا يتبلغ به في الابتداء، ويحذف في الوصل للاستغناء عنه بما قبله. فلما اعتزموا على حرف يمكن حذفه واطراحه مع الغنى عنه جعلوه همزة، لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها للتخفيف وهي مع ذلك أصل، فكيف بها إذا كانت زائدة؟ ألا تراهم حذفوها أصلا في نحو: خذ وكل ومر وويْلمِّه وناس والله، في أحد قولي سيبويه، وقالوا: ذَنْ لا أفعل، فحذفوا همزة إذن. وقال الآخر:
وكان حاملكم منا ورافدكم ... وحامل المِينَ بعد المِينَ والألَفِ
أراد المئين، فحذف الهمزة2.
وفي هذا النص يعتل ابن جني لاختيار الهمزة بعلتين: