ولكنه حين يعرض تطبيقات العلماء في هذه الناحيَّة المنهجيّة يجانبه أسلوب الباحث الموضوعي الرصين (?).
أمَّا المنهج التجريبي فإنَّ قصب السبق فيه راجع للمسلمين كعمود الصبح (?)، ومن الحق أَنْ يقال: (إنَّ أعظم ما يُمكن أن يفخر به العلم الإسلامي في عصر ازدهاره، هو أنّه أضاف بالتدريج إلى مفهوم العلم معنى جديدًا، لم يكن يلقى اهتمامًا عند اليونانيين، وهو استخدام العلم في كشف أسرار العالم الطبيعي (وما يردده كثير من الباحثين من التعبير الغربي)؛ "قهر الإنسان للمادة، والسيطرة عليها"، واستخدام المسلمون الرياضة في حل المشكلات الواقعية التي تواجه الإنسان، وبرعوا في علوم المادة، واخترعوا علومًا مساعدة لذلك، فمثلًا برعوا في استخدام الأرقام، ووضع أسس علم الحساب، الذي يُمكن تطبيقه في حياة الناس اليوميَّة، وكان اختراعهم للجبر، وتفوقهم في الهندسة التحليلية، وابتكارهم لحساب المثلثات، إيذانًا بعصر جديد، تستخدم فيه الرياضة للتعبير عن قوانين العالم الطبيعي، وعلى هذا فقد وضحت على يد العلماء الإسلاميين أصول المنهج التجريبي، بما يقتضيه من ملاحظات دقيقة دائبة، ومن تسجيل منظم لهذه الملاحظات، ثُمَّ وضع الفروض لتفسيرها، وإجراء التجارب للتحقق من صحة هذه الفروض) (?).