وقد اجتهد علماء الأُمَّة في تطبيق هذا المبدأ ليحقق المراد منه وفقًا لضوابط الشريعة في جلب المنافعٍ، ودفع المفاسد، وحققوا تميُّزًا فريدًا في مراعاة أحوال المكلفين ودقة في الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتعاملوا مع الأحوال بما تقتضيه من حكمة ولطف ورحمة.
وعن هذا المعنى قال أحد الباحثين: (ومثال ذلك في تنزيل الحكم الشرعي في التكليف بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن ينظر في الوضع المعين الذي يكون فيه المكلف المأمور بالقيام بهذا الواجب، فرُبَّما أسفر ذلك النظر على أن هذا المكلف يتصف في نفسه بالقدرة على هذا الواجب، والتحمل لتبعاته نفسيًّا وبدنيًّا، وأن المخاطبين بالأمر والنهي يحدثون في أنفسهم، وفي المجتمع الضرر البالغ بما يأتون من المنكر وما يصدون عن المعروف، وأنهم يغلب على الظن أنهم يستجيبون عندما يُدعون، ورُبَّما أسفر ذلك النظر على عكس ذلك كليًّا أو جزئيًّا؛ من اتصاف المكلف بالضعف الذي لا يتحمّل معه تبعات هذا الواجب، واتصاف المخاطبين بحسب ما يغلب على الظن بالعناد الذي لا تجدي معه دعوة، أو بالشراسة التي يقابلون فيها الدعوة بالاعتداء الغليظ، أو بالحمق الذي ينهيهم إلى ترك ما نهوا عنه لفعل ما هو أبلغ ضررًا، وأشد مفسدة، وبحسب ما يحصل في العقل من هذه المعطيات يترجح أن ينزَّل على المكلف الحكم بوجوب القيام بفعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الحكم بإسقاط هذا الواجب عليه) (?).
وما ذكر هنا سبق أن تطرق إليه العلماء، وفصلوا القول فيه وفي