وإذا كان العلم -وهو على هذا النحو- يرتكز على جانب الأمور الدينيَّة؛ فإنَّ العلوم المتصلة بالحياة والمنافع الدنيويَّة ليست -في الإسلام- مفصولة عن العلوم الدينيَّة، بل تدخل تحت القاعدة الأصولية التي تقول: (ما لا يتم الواجب إلَّا به فهو واجب) (?)، ومن هنا كانت عناية العلماء المسلمين بأنواع كثيرة من العلوم التي تتصل بحياة الأُمّة الإسلاميَّة وسيادتها، وأداء رسالتها في الاستخلاف، وقبل ذلك بسبب مفهوم العلم كما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبويَّة، فقد جاء العلم بمفهوم (مطلق كل الإطلاق، شامل كل الشمول، ولا يقيده قيد، ولا يحده حد، وأنّه قابل باستمرار للتقدم والزيادة والتغيير والتطوير، وأنَّ هذا ليس مرده إلى الفهم الشخصي، الذي قد يخطئ وقد يصيب، بل إلى الخطاب القرآني الصريح، في مثل قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، فمن الواضح كما قال أهل البيان: أن التنوين في لفظ (علمًا) يوحي بالاستغراق والشمول) (?).
وبهذا المفهوم والمفهوم الذي قبله أسهمت الأُمَّة الإسلاميَّة في تطور الحضارة الإنسانية (وانطلق المسلمون بهذه الأفكار الفطريَّة السليمة المتقدمة إلى الحياة، (فكشفوا عن) كنوزها، واكتشفوا مجاهيلها، بحيويَّة وتفتح. . . وانطلقوا يبحثون في كل مكان. . . فالتهموا تراث اليونان، وبحثوه بعقل مفتوح، وبصيرة ناقدة، وعرفوا الطيب منه والخبيث، ولم يتوقفوا عنده، بل ساروا إلى الاختراع والبحث والتنقيب، حتى صححوا