شرح ابن رجب -رحمه اللَّه- هذا الحديث، وبين طرقه في كتب السُّنَّة وما قيل عنه، وشواهده من طرق أخرى، وأفاض في شرحه بما تضمن إيضاح خصيصة الوسطية في التشريعات الإسلاميَّة وبيانها، وساق من الأدلة من القرآن الكريم والسنّة وفهم سلف الأُمَّة وتطبيقاتهم في عباداتهم ومعاملاتهم ما فيه جلاء هذه الخصيصة، ولعل من أجمع ما يبين ذلك قوله: (ضرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل الإسلام بصراط مستقيم، وهو الطريق السهل الواسع الموصل سالكه إلى مطلوبه، وهو مع هذا مستقيم لا عوج فيه، فيقتضي ذلك قربه وسهولته، وعلى جنبتي الصراط؛ يمنة ويسرة سوران؛ وهما حدود اللَّه، وكما أنَّ السور يمنع من كان داخله من تعديه ومجاوزته، فكذلك الإسلام يمنع من دخل فيه من الخروج عن حدوده ومجاوزتها، وليس وراء ما حدَّ اللَّه من المأذون فيه إلَّا ما نهى عنه، ولهذا مدح سبحانه الحافظين لحدوده، وذم من لا يعرف حد الحلال من الحرام) (?).
فالوسطيَّة في هذه الأحكام والتشريعات سمة بارزة تؤكدها دلائل كثيرة من أهمها:
• الآيات والأحاديث التي تؤكد يسر الشريعة ورفع الحرج في تشريعاتها كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، وفيما ذكره العلماء في مجمل تفسير هذه