ولأنهم تلقوا العلم عن معلم البشرية -صلى اللَّه عليه وسلم- وعاصروا نزول القرآن الكريم، وشاهدوا بيان الرسول له وتطبيقه لأحكامه، فكانوا أقرب الأُمَّة فهمًا لمقاصده ومراده، وقد أجمل الإمام أحمد الحديث عن ذلك في كتاب صنَّفه في طاعة الرسول، وردَّ فيه -كما ذكر ابن قيم الجوزية- على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وترك الاحتجاج بها، ومِمَّا جاء فيه: (إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُه وتقدست أسماؤه بعث محمدًا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه. الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله الدَّال على ما أراده من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب؛ فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو المعبر عن كتاب اللَّه، الدَّال على معانيه، شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم اللَّه لنبيه واصطفاهم له، ونقلوا ذلك عنه، فكانوا أعلم الناس برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبما أراد اللَّه من كتابه بمشاهدتهم وما قصد له الكتاب، فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال جابر: ورسول اللَّه بين أظهرنا عليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به) (?).

وخلاصة القول: أن الأُمَّة الإسلاميَّة أُمَّة ربانيَّة، وقد تبين ذلك حين الحديث عن كيفية تلقيها القرآن الكريم، على مدى ثلاث وعشرين سنة، وهي تتفاعل مع هديه وتوجيهاته، وأحكامه وأوامره ونواهيه، وكان قدوتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015