إذا انتهج غير المسلمين شيئًا من ذلك واعتادوه وظهروا به فلا كلام فيه (?).

ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق التفريق بين أمرين اتسم بهما تميُّز الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ، وانطبعت عليهما شخصية الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ في علاقتها بِغَيرها مِنْ أَهل الكتابِ وأَهْلِ الجاهِلِيَّةِ، الأَمر الأول ما يوجبه الإسلام من البراء من أولئك والحذر منهم والنهي عن التشبه بهم، فيما يتصل بعقيدة الإسلام وشريعته وهديه، والأمر الآخر صلات البر وحسن المعاملة، والبعد عن ظلمهم، أو الاعتداء عليهم، وهو جانب تميَّزت به الأُمَّةُ الإِسْلامِيَّةُ فِي تعاملها مَعَهُمْ، وشهد لها المنصفون بذلك، وبما اتسمت به حضاراتها وثقافتها من التسامح معهم، والبر بهم، والإحسان إليهم عبر التاريخ تحقيقًا لقول الحق تبارك وتعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] وقول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّي لم أبعث لعانًا وإنما بُعثتُ رحمة" (?)، وقول اللَّه -جلَّ وعلا- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وهذا الأمر وما يندرج تحته من الصلات الإنسانيَّة والمعاملات المتصلة بشؤون العمران والحضارة لا يدخل في النهي؛ وهذا ما قرَّره علماء الأُمَّة، وذكروا أن النهي عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الجاهلية إلا يعني تحريم التعامل معهم بالتجارة المباحة واستيراد البضائع والمصنوعات النافعة، والاستفادة من خبراتهم ومخترعاتهم.

فالنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- استأجر ابن أريقط (?) اللَّيثيَّ ليدله على الطريق وهو كافر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015