أقول لا شك أن استعمال (عن) على الأصل أدل على أبرز ما قام دون (المجهول) من حجاب حائل، واتفق من غطاء ساتر، كما هو حال (الكنوز) حين تخفى وتخبأ وتطوى، لذا كان قولك (كشفت عن الكنوز) أليق بالمراد. وهذا ما أوحى به المرزوقي حين قال: (فتذكر معايبهم وتكشف عن مستور مخازيهم ومجهول مقابحهم ومساويهم) ، وما أراده إذ قال: (من النظر والفحص والكشف عن عقبى الأمر) فمهَّد للكشف بالنظر والفحص وما أفصح عنه بقوله (1136) : " وما يظهر من معادن الذهب صبيحة مطرة تكشف عن عروق الذهب". بل هذا ما قصده الخفاجي بقوله (وذلك أليق بالمتكلمين أصحاب التحقيق والكشف عن أسرار المعلومات وغوامض الأشياء، إذ لو لم يكن هؤلاء أصحاب تدبر وتأمل وتحقيق ما ظفروا بالكشف عن هذه الأسرار والغوامض.
خلاصة القول في تعدية (كشف) :
والخلاصة أنك تقول على الأصل كشفت الغطاء عن المستور، فإذا حذفت المفعول لظهوره قلت كشفت عن المستور، ويغلب هذا حين يكون المستور خفياً. كما تقول كشفت غطاء المستور فإذا حذفت المضاف قلت كشفت المستور، ولا يشترط في هذا أن يكون المستور خفياً. ولكن هل تقول كشفت عن الغطاء وتريد أنك كشفت عن الغطاء ما واراه، أي انصرفت عنه إلى ما وراءه؟ أقول الأصل أن تقول مثلاً: كشفت المرأة وجهها، فإذا اعتادت أن تخفيه قلت كشفت المرأة عن وجهها وتقول كشفت المرأة قناعها عن وجه مضيء، على الأصل، وكشفت عن قناعها وجهاً مضيئاً إذا أظهرت وجهها المضيء، فتكون (عن) هنا (للمجاوزة) ، أي كشفت الوجه المضيء منصرفة عن القناع إلى ما واراه أو ما وراءه. وقد جاء في رسائل الجاحظ (رسالته في الشارب والمشروب، ورسالته في بني أمية) :
(كشفت عن القناع) . وفي مقدمة المرزوقي في شرح الحماسة قوله (والكشف عن قناع المعنى بلفظ هو في الاختيار أولى / 6) .
القول في تعدية (قسم)