أن يتابعه أثناء المشاهدة دون أن يفقده ذلك لذته الخاصة في مشاهدة التمثيلية.
وإذن فحجة العدول عن التعريف والنقد بدعوى أن هذه العملية تذهب بعنصر التشويق حجة واهية لا يمكن أن تثني الصحافة عن واجبها في إرشاد الجمهور نحو الصالح وغير الصالح والجميل والقبيح من الأفلام والمسرحيات، لتتركهم يجازفون بوقتهم ومالهم بل وأحيانا بمشاعرهم الخاصة أو مشاعر ذويهم من أطفال ونساء عندما يقدمون على مشاهدة فيلم أو مسرحية قبيحة أو فاشلة أو شريرة، وذلك بينما تستطيع الصحافة أن تقوم بما قد تعجز عنه الحكومات بقوانينها وتشريعاتها ورقبائها وموظفيها في توجيه الانتاج التلقائي والفني الوجهة السليمة النافعة -على حد قول الدكتور محمد مندور- وذلك لأن بالنقد والتوجيه النزيهين ستنزل أكبر عقاب، أو جزاء لتجار الفكر والعاطفة الإنسانية إذ ترزأهم بالخسارة المادية وتضيع عليهم أكبر ما يحرصون عليه وهو الربح المادي الآثم.
لقد أصبحت الصحافة العربية تتولى في هذه الأيام مهمة كبيرة في توجيه الثقافة والأدب والفن، وهي لا تزال تواجه في أداء هذه المهمة عدة مشاكل لا بد أن تبت فيها برأي، ثم توجه الأمة نحوه، وتأتي هذه المشاكل من عدم تحديد موقف ثقافي واضح بين الشرق والغرب، وبين الحديث والقديم، وبين الترجمة والإنتاج الذهني، ولكن لا بد لكل صحيفة أن تختار لها منهجا قويما ترتضيه، وفقا لما تراه خيرا لها وللعالم العربي. وفي كل ذلك لا ينبغي أن يكون حكم الصحافة حكما جزافيا نزقا، بل ينبغي أن يكون حكما واضحا قائما على التعليل وقابلا لشرح والتفسير، ومبنيا على الحجج والبراهين، وهكذا يكون التوجيه والنقد إرهاصا بفن المستقبل المرتجى.
وفضلا عن ذلك فإن الصحافة الحديثة قد أصبحت تقوم بتوجيه الطفل والمرأة وخاصة بعد أن تركت المرأة البيت إلى العمل في المصنع والحقل والمدرسة والمستشفى والجامعة وفي كل مكان. إن الصحافة -والإعلام بوجه عام- يقدم للطفل من الأخبار والمعلومات والقصص والتسلية ما كانت تقدمه ربة البيت أو الجدة حتى الأمس القريب، بل إن فنون تربية الطفل، وإعداد المائدة، وحتى طهو الطعام، وتنسيق الأثاث، وزخرفة المنزل، وفنون التجميل، وتفصيل الأزياء وحياكتها، أصبحت موضوعات شيقة في صحافة اليوم.
وهكذا نرى أن المجتمع الحديث المعقد قد ترك للصحافة وظائف جديدة، كان يقوم بها آخرون من قبل، عندما كان المجتمع بسيطا متماسكا ساذجا.