وأحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل من رواد الصحافة الذين جمعوا بين الثقافة العربية المصرية والصحافة الأوربية. وقد استطاع هؤلاء بجهودهم الرائعة أن يخلقوا لغة الفن الصحفي العربي التي تقترب من لغة الأدب، وتمتاز بالسلاسة والواقعية والتبسيط.
ولقد توجت هذه الجهود بظهور الصحافة الإخبارية الحديثة، وبالتنويع في وسائل الإقناع الصحفي بالصورة الفوتوغرافية والصورة الكاريكاتورية، والعناية بالأخبار النائية. وقد تطلب ذلك استخدام لغة صحفية تتلاءم مع شعبية الصحافة، تتوخى السهولة والتبسيط، دون أن تهبط إلى العامية في اللفظ، أو السوقية في الفكر.
وهكذا تتقارب المستويات اللغوية العلمية والجمالية والعملية؛ لأننا كلما نزلنا في سلم التطور الحضاري للمجتمعات، وجدنا فروقا شاسعة بين المستويين الأدبي والعلمي للغة. ويؤكد عالم الاجتماع كارل بوخر1 أن اللغة المستخدمة في المجتمعات البدائية تنقسم إلى قسمين مختلفين تمام الاختلاف: لغة جمالية للأغاني والقصائد والأناشيد، وأخرى عملية للتفاهم، وهي تختلف عن الأولى اختلافا كبيرا، حتى إن إيقاع لغة التفاهم لا بد وأن يتغير تغيرا تاما لكي يتلاءم مع إيقاع الشعر. ويقول إن سكان جزائر أندامان2 يغيرون من طول الكلمات تغييرا جوهريا حتى ليمكن القول بأن لهؤلاء الناس لغة شعر خاصة غير لغتهم المستعملة في الحياة، ويضيف يسبرسون3 على ذلك قوله: إن اللغة الجمالية لا يفهمها الناس. حتى إن كثيرا ما يضطر المؤلف إلى شرح قصيدته للمغنيين والمستمعين قبل الأداء