لقد كان ابن قتيبة عالما، وحتى لم يكن أديبا كابن المقفع، فكان أسلوبه علميا، مفعما بالاصطلاحات الدينية والعلمية المجردة.
وقد رأينا أن الصحافة فن حضاري، لا يزدهر إلا في البيئة الصالحة للتقدم والتطور. ففي صحافتنا المصرية الحديثة، نلاحظ أنها قد ورثت، عند ظهورها في القرن التاسع عشر، عن القرون السابقة أسلوبا عتيقا يميل إلى التكلف. ثم أخذ هذا الأسلوب يتخلى شيئا فشيئا عن هذا التكلف، حتى ظهرت صحيفة "المؤيد" فوجدنا أنفسنا أمام كتاب يميزون بين الأسلوب الأدبي والأسلوب الصحفي، وأخذ الفن الصحفي في التبلور والتطور حتى وقتنا الحاضر. وإذ ذاك وجدنا له لغة تبعد بعدا ظاهرا عن لغة الأدب. فقد استحدث الصحفيون الحاليون تراكيب جديدة لم تخطر للأدباء الأولين على بال. فبدلا من قولهم أنه لا بد من توضيح المسألة توضيحا لا يدع مجالا للشك نجدهم يقولون: نريد أن نضع النقط فوق الحروف. وهناك صفات ونعوت جديدة لا وجود لها في الكتب القديمة مثل: الحقيقة الصارخة، والأكذوبة البيضاء، والليلة الحمراء، الدعاية السوداء، والغيرة الصفراء.
وتأثرا بترجمة البرقيات الأخبارية، نجد الأفعال الأجنبية تتسرب إلى اللغة العربية. ومثال ذلك أن حشد الجنود التركية على حدود سوريا "يشكل" خطرا على هذه البلاد، وفعل "يشكل" هو ترجمة حرفية دخلت لغة الصحافة والسياسة واستقرت فيها استقرارا تاما. ومن ذلك قول بعض الصحفيين: "وهنا قفزت طائفة كبيرة من علامات الاستفهام" معبرا بذلك عن معنى الغرابة أو التعجب. وقول آخر: "فكان عليَّ أن أضع أعصابي في ثلاجة بعد سماعي هذا الكلام".
وقد كان من أثر الصحفية، وهي جزء هام من أقسام الأخبار الخارجية في صحفنا المصرية، استخدام أسلوب جديد لا علاقة له بالأدب. بل إن اللغة العربية قد استخدمت تراكيب جديدة مستمدة من طبيعة تعبير اللغات الأجنبية. ومثال ذلك شيوع استخدام الجمل الاسمية وتناثرها وكأنها وحدات