أن هذه الطريقة المتبعة في التدريس الحديث يمكن تطبيقها على الفن الصحفي الذي يتوجه إلى القارئ العام بذكائه المتوسط وثقافته العادية. وهكذا تكون رؤية العباقرة للخصائص الفنية سابقة لظهورها. فالصحافة الفنية الحديثة لم تبدأ في إنجلترا إلا في أواخر القرن التاسع عشر على يد اللورد نورثكليف الذي عرف باسم نابليون الصحافة.

وإذا تحدث ديفو إلى القارئ كان حديثه عاديا اجتماعيا مألوفا، فهو يستعمل أحيانا جملا غير تامة، ويكسب أسلوبه جاذبية الألفة والطرافة، فهو يقول: "ولما كما على وشك الانتخابات العامة، سأقص عليكم قصة: أن المال والخمر يصنعان كل شيء ... " ثم يمضي في حديث ممتع طريف.

ومن أهم مميزات الفن الصحفي عند ديفو أسلوب التهكم اللاذع، والسخرية المشرقة, وكانت طريقته في ذلك ما يسمى بمنطق التسخيف1، فهو يسير مع الرأي الذي يسخر منه في مبالغة إلى آخر الشوط الذي لا بد وأن يؤدي إليه، وذلك لكي يظهر عيوبه ونقائصه، ويفضح سخفه وتناقضه. ولعل خير مثل لذلك نشرته السياسية عن المخالفين للكنيسة2 والتي تحدث فيها بلسان خصومه من رجال الكنيسة الرسمية، وأخذ يبالغ مبالغة شديدة في ضرورة التخلص من المخالفين والقضاء عليهم نهائيا.

ومن أسلوبه التهكمي أيضا ما كتبه من مقالات انتخابية في صحيفة "ريفيو"3، والتي جاء فيها: "إذا كنت تريد أن تجرب وتتعلم بطريقة الصواب والخطأ فلا تتحير بل انتخب أعضاء حزب المحافظين لكي تتعلم عن طريق المجرمين والمغفلين. فما البرلمان المحافط إلا برلمان شياطين" وقد يبدو للقارئ الحديث أن هذه ألفاظ نابية، ولكن الحقيقة أن كتاب القرن الثامن عشر كانوا لا يجدون غضاضة في استخدام مثل هذه الألفاظ، بل وأقسى منها وأغلظ بكثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015