فقد نشأت الأعمدة أولا في أمريكا سنة 1823، بعد استقرار الأحوال في والولايات المتحدة، فأخذت كل ولاية تعنى بمشاكلها الخاصة. وقد وجدت الأعمدة صدى لدى القراء، وعرفت في إنجلترا وفرنسا بعد ظهور الصحافة الشعبية زهيدة الثمن في منتصف القرن التاسع عشر. وكانت الأعمدة تتوخى الحديث إلى القارئ كصديق، وبلغ كتاب الأعمدة في أمريكا سبعة آلاف كاتب. كما ظهرت وكالات متخصصة في نشر الأعمدة مثل وكالات الأنباء. وقد بدأ هذا النوع الجديد من المؤسسات في الظهور بأمريكا منذ الحرب الأهلية الأمريكية سنة 1861، وهي تزيد الآن عن مائتين وخمسين مؤسسة1. ومن أشهر هذه المؤسسات مؤسسة ماكلور2، التي كانت في أول أمرها توزع حوالي خمسة آلاف كلمة في الأسبوع، ثم لم تلبث أن بلغ ما توزعه ثلاثين ألف كلمة في الأسبوع.
وهناك مؤسسة بوك الصحفية التي كانت تنشر العمود الأسبوعي للكاتب الأمريكي هنري وارد بيشر تعليقا على الأخبار. وقد رأت مؤسسة بوك أن خير وسيلة لجذب النساء لمطالعة العمود الصحفي أن تنشر عمودا خاصا بالأطفال ضمن الأعمدة التي تنشرها، وتبيع حق نشرها لجميع الصحف التي تطلب ذلك. ويؤخذ مما تقدم أن هناك مجالا إنسانيا كبيرا تسبح فيه الأعمدة الصحفية، وأن العمود الصحفي الإنساني هو الذي يمكن توزيعه على أكبر عدد ممكن من صحف العالم. ونحن نعلم أن الصحافة عمل اجتماعي محلي النزعة، ولكن العمود الصحفي بطابعه الإنساني يستطيع أن يصل بالصحافة إلى مرتبة الأدب؛ لأنه يتجه دائما إلى النفس البشرية، وإلى الاهتمامات العامة.