ذات صبغة علمية في أكثرها أيام محمد علي، لحاجة المدارس الحديثة إلى ذلك، ثم أصبحت ذات صبغة أدبية في أكثرها أيام إسماعيل".
وقد لعب السوريون النازحون إلى مصر دورا لا يستهان به في نقل الثقافة الأدبية عن طريق المبشرين الأمريكيين والفرنسيين الذين اتخذوا من سوريا وجبل لبنان مراكز للتبشير والدراسات العلمية والأدبية. وقد كان جبرائيل وبشارة تقلا، وأديب إسحاق وسليم النقاش ويعقوب صروف وشاهين مكاريوس وفارس نمر وغيرهم ذوي فضل في نقل الحضارة الحديثة وخاصة بالنسبة للعلم والقصة والمسرح والمقال.
وبين مارس سنة 1871 وأغسطس سنة 1879 ظهر في مصر فيلسوف الشرق جمال الدين الأفغاني، وقضى بها ثمان سنين، كانت من خير السنين بركة على مصر وعلى العالم الشرقي؛ "لأنه كان يغرس في الأرض بذورا تتهيأ في الخفاء للنماء، وتستعد للظهور ثم الازدهار. فكل الذي أتى بعدها من تعشق للحرية، وجهاد في سبيلها فهذا أصلها، وإن وجدت بجانبها عوامل أخرى ساعدت عليها وزادت في نموها"1.
وفي هذه الفترة بالذات، يمكن القول بأن الرأي العام المصري قد تكون، ولا شك أن إنشاء صندوق الدين سنة 1876، وكذلك الرقابة الإنجليزية الفرنسية في نفس العام، وتأليف الوزارة المختلطة برئاسة نوبار باشا، ثم محاضرات جمال الدين الأفغاني في داخل الأزهر وخارجه، وكذلك التقاء التيار الأوروبي بالتيار الشرقي بالتيار السوري، بالتيار الذي أتى به جمال الدين الأفغاني، كل هذه العوامل قد هيأت الجو لظهور الرأي العام المصري، وتكوين العقل المصري الحديث. وفي رأينا أن هذه هي البيئة الفكرية والسياسية والاجتماعية الصالحة لظهور فن المقال بوجه عام، وفن المقال الصحفي بوجه خاص.