وقد وجدنا من مجمل دراساتنا للصحافة العالمية أن الفن الصحفي بالمعنى الذي نذكره لم يبدأ مع ظهور الصحافة، ولكن الفن الصحفي قد أخذ في الظهور حوالي منتصف القرن التاسع عشر، عندما بدأت الظروف المواتية لذلك. فقد لاحظنا أن للتطور الصحفي إيقاعا محددا في تطوره عبر التاريخ. فالصحافة تبدأ رسمية تتحدث باسم السلطات الحاكمة، ثم لا تلبث أن تتطور مع ظهور الطبقة البرجوازية لخدمة الأغراض المالية والاقتصادية والرأسمالية مباشرة. ولكنها لا تلبث أن تقع في أيدي الأحزاب السياسية المتطاحنة فتصبح لسان حالها وعالة عليها. وفي جميع هذه المراحل، يتطور الفن الصحفي حتى يصل إلى مرحلة النضج والاستواء.
فعندما تستقل الصحافة كمشروعات إعلامية، بعيدا عن سلطة الحكومة المباشرة، وبعيدا عن سيطرة الأحزاب، يبدأ اعتماد أصحاب المشروعات على الفن الصحفي للترويج والإمتاع وجذب الأنظار والتشويق والإعلام والتفسير، بل والتسويق عن طريق الإعلانات، التي تشكل نسبة عالية من الإيرادات، وقد تصل إلى 70% أو أكثر، كما تعتمد على التوزيع الجماهيري الضخم الذي يستجلب الإعلانات. وهنا تبدأ سعة الانتشار والجماهيرية والعمومية في خلق الجو المناسب للفن الصحفي الجديد، في بيئة حضرية، بل قد تكون بيئة صناعية، تتوفر فيها أسباب التقدم العلمي والتفوق التكنولوجي اللازمين لازدهار الصحافة الحديثة.
ثم يظهر خطر الانزلاق إلى الصحافة الصفراء، صحافة نشر أخبار الجريمة والعنف والجنس والإثارة. وتقع الصحف فريسة للاحتكارات الكبرى، وتستغل استغلالا اقتصاديا، دون ما نظر لخطورة تأثيرها على وجدان الأمة ونفسية الجماهير. وربما يكون الحل أحيانا هو تأميم الصحافة كما حدث في بعض الدول الاشتراكية، أو تنظيمها كما حدث في مصر سنة 1960. ومع ذلك فإن سعة الانتشار والجماهيرية ومحاولة الوصول إلى فئات الشعب المتعددة، والتأثير في الرأي العام، ثم شعبية الثقافة وجماهيريتها، فضلا عن الإيمان بالقيم الديمقراطية -كل هذه عوامل بناءة لنشأة الفن الصحفي الحديث.