وأنّى لأحد من الأمة هذا الخيار في حق من قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي) (?).

فالمتأدب والمُتّبع لا يخطو إلا على خطواته , ولا يقفوا إلاَ أثره , ولا يمشي إلا خلفه , لا يتقدم بين يديه ولا يرفع صوته فوق صوته , ولا يجهر له بالقول خوفاً من أن يحبط عمله وهو لا يشعر , فكلامه حق , وأمره مسلّم , وقضاؤه محكم , وإرشاده ملزم , فلا ذكر أفضل من ذكره , ولا دعاء أحسن من دعائه , ولا التسبيح ألطف من تسبيحه , ولا التحميد أروع من تحميده , فلا طريقة , ولا سنة دون سنته , ولا ورد غير ورده , ولا صلاة ولا سلام أفضل من صلاته الذي نطق بهما وعلّمها أصحابه.

وإن توظيف الوظائف والأوراد من حقه واختصاصه كما صرح بذلك الصوفي المشهور وشيخ الطريقة المشهورة , أبو الحسن الشاذلي كما نقل عنه المشخانوي , فقال:

" دخل رجل على أستاذي (عبد السلام بن مشيش) فقال له:

وظف لي وظائف وأوراداً , فغضب الشيخ منه وقال له: أرسول أنا أوجب الواجبات " (?).

وبذلك قال ابن زروق في قواعده:

" تحديد ما لم يرد في الشرع تحديده ابتداع في الدين , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدد كل شيء ولا يجوز التجاوز عنه " (?).

ولكن الصوفية يخالفون رسول الله في هذا كما يخالفونه وأوامر ربه في أشياء أخرى عديدة , فاختلقوا أوراداً , وأخترعوا وظائف , وبينوا لها ثواباً من عند أنفسهم كأنهم مشرعون , والموحى إليهم , وأنشئوا لها هيئات , وأحدثوا لها آداباً , وأوجبوا لها حلقاً كأنهم علموا شيئاً لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم , أو علمه فكتمه ولم يخبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015