الباب الأول
التطّرف مِن لَوازم التصَوُّف
لقد ذكرنا فيما سبق في كتابنا " التصوف: المنشأ والمصادر " (?) أن التطرف من لوازم التصوف وخصائصه , وأنه أمر زائد على الزهد المشروع المجب إليه , ولا يوجد صوفي لا يبالغ في التجوع والتعري وترك الحلال , ويفرط في التقشف والتعنت وتعذيب النفس وتكليفها ما لا يطاق , وجلب الأذى , والتجاوز في أوامر الله ونواهيه , والتقدم بين يدي الله ورسوله حتى يصل إلى اجتناب ما أمر الله به وتحريم ما أحل الله , وتحليل ما حرم الله وإتيان ما منع الله عنه ورسوله صلوات الله وسلامه عليه , وأوردنا بعض الأمثلة هناك مناسبة للمقام تاركين التفصيل لهذا الكتاب , ونريد أن نذكر الباحث والقارئ قبل دخولنا في صميم الموضوع أن المشروع ما شرعه الله ورسوله , والمستحب ما استحبه الله ونبيه وصفيه خير الخلائق أجمعين , وكل أمر لم يأمر به الله ولم ينفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما حسن منظره , وعظم شأنه , وحبب إلى النفوس فهو مقبوح مردود في دين الذي جاء به محمد صلوات الله وسلامه عليه , وشرك بالله وكفر به وبكتابه وبرسوله حيث إنه عبارة بعدم كمال الدين وتمام النعمة وختم نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليه بأن الله عز وجل قال في كتابه المحكم مخاطبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياة نبيه وصفيه وفي أيامه الأخيرة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (?).
وقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (?).
وقال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (?).