يوم: أستاذ! أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل , وقد تركت الشهوات وليس أجد في قلبي من هذا الذي تذكره شيئاً بتة. وأنا أؤمن بكل شيء , تقول وأصدّق به , فقال له أبو يزيد: لو صُمْتَ ثلثمائة سنة وأنت على ما أراك لا تجد من هذا العلم ذرة. قال: ولم يا أستاذ؟ قال: لأنك محجوب بنفسك. قال له: فلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب؟ قال: نعم! ولكنك لا تقبل ولا تعمل. قال: بلى! أنا أقبل وأعمل ما تقول. فقال له أبو يزيد: إذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وانزع منك هذا اللباس وأتزر بعباء وعلق في عنقك مخلاة وأملأها جوزاً واجمع حولك صبياناً وقل بأعلى صوتك: يا صبيان! من صفعني صفعة أعطيته جوزة. وأدخل إلى سوقك التي تعظم فيه وينظر إليك كلُّ من عرفك على هذه الحالة. فقال: يا أبا يزيد! سبحان الله! تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا؟ فقال أبو يزيد: قولك: " سبحان الله " شرك. قال: وكيف؟ قال أبو يزيد: لأنك عظمت نفسك فسبّحتها. فقال: يا أبا يزيد! هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله , ولكن دُلّني على غير هذا حتى أفعله. فقال له أبو يزيد: ابتدأ بهذا قبل كل شيء حتى تّسقط جاهك وتّذل نفسك , ثم بعد ذلك أعرّفك ما يصلح لك. فقال: لا أطيق هذا. قال: قلت إنك لا تقبل وأنا لا أعلم " (?).
فإذن لا يصلح أمر التصوف إلا لمن بادر إلى مخالفة الشرع بأمر شيخه ولم ينكر عليه , ولذلك كتب الشعراني:
" لا ينبغي لأحد أن يبادر إلى الإنكار على أمر شيخه بحلق لحيته , فربما كان ذلك من شيخه ليدفع به عنه الكبر والفخر " (?).
فهل يندفع الكبر والفخر , وتتأتى اللذة في الصوم والصلاة والتلاوة بالخروج على الكتاب والسنة؟
وبالمناسبة ننقل هنا ما قاله الأفلاكي نقلاً عن بعض مشايخه أنه قال: