وألهمه ذلك إلهاماً لا عن طريق الوحي المباشر، ولا شك أن {الأَسْمَاء} في الآية يُراد بها أسماء الأشياء حيث أردفها بقوله: {كُلَّهَا} فلا معنى لحصرها في أشياء مخصوصة، إذ لا مزية حينئذ لآدم يستحق بها التفضيل على الملائكة أن يعلمه الله أسماء عدد مخصوص من الأشياء فالملائكة كذلك جبلهم الله على تسبحه وذكره ففعلوا، لكن المزية التي تستحق هذا الذكر والثناء هي تلك القدرة على تسمية الأشياء والتعرف عليها بتلك الأسماء فلما طلب من الملائكة أن تسمى لكل ما تراه من الموجودات اسماً لم تكن قادرة على ذلك فعلمت أن الله اختص هذا المخلوق الجديد الكريم دونها بما جعله أهلاً للخلافة في الأرض، وهذا التفسير مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة"1.
هذه اللغة التي تعلمها آدم ونطق بها هي اللغة (الأم) ، ولا جدوى من أن نقول إنها كانت العربية أو العبرانية أو السوريانية لأن هذه اللغات وغيرها عبارة عن فروع امتدت وتكونت على مرّ العصور وتعاقب الأجيال من ذرية آدم، فكلها تعود إلى تلك اللغة الأم ولا تعود هي إلى واحدة منها ولذلك فإن الجهد الذي صرفه بعض العلماء لإثبات أن أول من تكلم بالعربية آدم، أو نوح، أو سام، أو جبريل كما يُروى عن كعب الأحبار، هو جهد عقيم مبني على التخمين، أو على أخبار الإسرائيلية التي لم تثبت، فلا يثبت بها حكم ولا خبر..
وقد سبق أن بينا في أول البحث أن الناس تناسلوا من أولاد نوح الثلاثة، الذين ترجع إليهم أصول الأمم بنص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهم (سام ونوح) ، إليه تنسب (اللغة السامية) التي نطق بها ثم انتقلت إلى نسله من بعده..
ومع تكاثر (السامين) وتفرقهم في أنحاء مختلفة متباعدة من الأرض بدأت هذه اللغة تختلف لهجاتها وتتحول إلى عدد من اللغات، وهكذا كانت نشأة اللغات السامية.. وغيرها: