رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} 1.
وفي هذه الآيات ما يدل بوضوح على أن مناطق كثيرة من جزيرة العرب كانت عامرة خصبة وهي التي تمتد من اليمن حيث مسكن سبأ إلى الشام التي بها القرى المباركة وذلك في قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِين} 2.
فإن معنى وجود قرى ظاهرة آمنة بين اليمن والشام امتداد منطقة خصبة كثرة الزروع والثمار جيدة المناخ كثيرة العمران طيلة المسافة بينهما.. إذ أن خصوبة الأرض دائماً تابعة لجودة الهواء والمناخ وتوفر الأمطار وينتج منهما انتشار العمران..
ثم أخبرت الآية عن حدوث التحول في هذه الحضارة، بعد انهيار سد مأرب وقضاء السيل على مظاهر حضارتهم، فتبدل حال الأرض من خصوبة إلى جدب تصوره الأنواع المذكورة في الآية: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} فهذه أنواع من النباتات التي لا فائدة منها وتوجد غالباً في الأراضي القاحلة، ومعنى هذا أن المناخ تبدل أيضاً وشح المطر، وينتج من هذين العاملين تضاؤل مظاهر العمران ووعورة المنطقة التي تعبر عنها الآية ببعد المسافة: {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} وكان هذا بداية تفرق هذه القبائل القحطانية ونزوحها من اليمن إلى سائر أنحاء الجزيرة، ولكن ما هذه القبائل؟