أمّا الذين قصروا تعريفهم على المصادر فقط، فقد اعتبروا أن حديثهم عن المصدر كالقرآن مثلا يتضمن الحديث عن القواعد المتبعة لاستخراج الأحكام من القرآن، من تفسير مجمل أو تخصيص عام الخ وهذا أقرب فيما يبدو.
ولكن التعريف الأشمل فيما نرى هو الذي يشمل الطرفيين: المصادر والقواعد، ولعل التعريف الذي نقلناه عن الغزالي هو التعريف الشامل للطرفين.
ولعل هذه النتيجة التي توصلنا إليها هي التي توصل إليها التفتازاني1 عندما كان يبحث في حقيقة علم الأصول قال: " ثم نظروا- أي العلماء- في تفاصيل تلك الأدلة- يشير إلى الأدلة الفقهية- فوجدوا أن الأدلة راجعة إلى الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. والأحكام راجعة إلى الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة وتأملوا في كيفية الاستدلال بتلك الأدلة على تلك الأحكام إجمالا، وبيان طرقه وشرائطه- أي الاستدلال- ليتوصل بكل من تلك القضايا إلى استنباط كثير من تلك الأحكام الجزئية عن أدلتها التفصيلية. فضبطوها ودونوها وأضافوا إليها من اللواحق والمتممات، وبيان الاختلافات ما يليق بها وسموا العلم بها أصول الفقه".
ولكن التفتازاني بعد وصوله إلى هذه النتيجة يعود فيقول: "فصارت- أي أصول. الفقه- عبارة عن العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه" 2 ولو قال: فصارت عبارة عن المصادر والقواعد الخ لكان التعريف مطابقا تماما لما سبقه من تفصيل.
لقد أطلنا في تحقيق معنى علم الأصول- ولكنا نظن أن هذا التحقيق ضروري لمعرفة النتيجة التي يسوق إليها اختلاف الصيغ التي وردت في تعريف حقيقة هذا العلم. والآن ننتقل إلى الحديث عن مباحث علم الأصول.