فإن قالوا بالأول كما يدعونه لزمهم أن لا يحدث في العالم شيء، وهو خلاف الحس والمشاهدة.
وإن قالوا بالثاني، لزم أن يكون كل معلول له مسبوقاً بغيره زمانياً، فلا يكون شيء من العالم قديماً أزلياً معه، وهو المطلوب.
وإذ كان أقتران المفعول بفاعله في الزمان ممتنعاً على تقدير دعوى استلزامه له، فاقترانه به على تقدير عدم وجوب الاستلزام أولى.
فتبين أن يمتنع قدم شيء من العالم على كل تقدير.
وهذا بين لم تصوره تصوراً تاماً.
ولكن وقع اللبس والضلال في هذا الباب من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من أهل الكلام، لما ادعوا ما يمتنع في صريح العقل عند هؤلاء - من كون المؤثر التام يتأخر عنه أثره، والحوادث تحدث بسبب حادث - فر هؤلاء إلى أن جعلوا المؤثر يقترن به أثره، ولا يحدث حادث إلا بسبب حادث، ولم يحققوا واحداً من الأمرين، بل كان قولهم اشد فساداً وتناقضاً من قول أولئك المتكلمين.
فإن كون المؤثر يستلزم أثره يراد به شيئان:
أحدهما: أن يكون الأثر المكون المفعول المصنوع مقرناً للمؤثر ولتأثيره في الزمن، بحيث لا يتأخر عنه تأخراً زمانياً بوجه من الوجوه، وهذا مما يعرف جمهور العقلاء بصريح العقل أنه باطل في كل شيء، فليس معهم في العالم مؤثر تام يكون زمنه زمن أثره، ويكون زمن حصول الأثر المفعول زمن حصول التأثير، بل إنما يعقل التأثير أن يكون الأثر عقب المؤثر، وإن كان متصلاً به، كأجزاء الزمان والحركة الحادثة شيئاً بعد شيء، وإن كان ذلك متصلاً.