الثاني: ما عارضهم به صاحب التهافت وغيره.
وقالوا: هذا باطل عليكم بالقوة الوهمية التي تدرك في المحسوس ما ليس بمحسوس، كإدراك القوة التي في الشاة عداوة الذئب، فإنها في حكم شيء واحد لا يتصور تقسيمه، إذ ليس للعداوة بعض حتى يقدر إدراك بعضه وزوال بعضه، وقد حصل إدراكها في قوة جسمانية عندكم، فإن نفس البهائم منطبعة في الأجسام لا تبقى بعد الموت، وقد اتفقوا عليه، فإن أمكنهم أن يتكلفوا تقدير الانقسام في المدركات بالحواس الخمس، وبالحس المشترك، وبالقوة الحافظة للصور، فلا يمكنهم تقدير الانقسام في هذه المعاني التي ليس من شرطها أن تكون في مادة.
وأورد على نفسه سؤالاً، فقال: هذه مناقضة في العقليات، إذ العقليات لا تنتقض، فإنه مهما لم يقدروا على الشك في المقدمتين، وهو أن العلم الواحد لا ينقسم، وأن ما لا ينقسم لا يقوم بجسم منقسم -لم يمكنهم الشك في النتيجة.
وأجاب بأن المقصود بيان تهافتهم وتناقضهم وقد حصل، إذ انتقض أحد الأمرين: إما ما ذكروه في النفس الناطقة، أو ما ذكروه في القوة الوهمية.
الجواب الثالث: أن يقال: ما تعنون بقولكم: العلم لا ينقسم، ومحله إذا كان جسماً ينقسم؟ إن عنيتم بالانقسام إمكان تغريقه، فلم قلتم: إن كل جسم يمكن تغريقه؟ وبتقدير أن يكون ممكناً في نفسه، فلم قلتم: إنه إذا قسم لا تبقى النفس نفساً ولا روحاً، وإن بقيت أجزاؤها متفرقة؟.
وكذلك يقال في العلم والقدرة والحياة وسائر الأعراض القائمة