فإذا لم يكن ثم دليل عقلي ينفي الجسمية عن الباري، كما قد بينته، لم يكن في نفي ذلك عن النفس دليل على أن الباري كذلك، اللهم إلا أن يثبت أن هذا الجنس أشرف من غيره.

فيقال: الباري أحق بصفة الكمال من النفس، لكن كون الشيء لا يشار إليه أمر سلبي، والسلب المحض ليس صفة مدح ولا كمال، إلا أن يتضمن أمراً وجودياً.

وليس في كون الشيء لا يشار إليه ما يستلزم أمراً وجودياً، كما أنه ليس في كونه لا يرى ما يستلزم أمراً وجودياً، كما أن نفي الرؤية عن بعض المخلوقات لا يستلزم نفيها عن الباري تعالى.

وأيضاً فيقال: من المعلوم أن اتصاف الموصوف بكونه حياً عليماً قديراً، أكمل من اتصافه بكونه لا يشار إليه.

ثم أنتم تفرون من إثبات صفات الكمال للرب في نفس الأمر، لما في ذلك من التشبيه، فإذا شبهتموه بالمخلوق فيما دون صفات الكمال من الصفات السلبية، كان هذا أقرب إلى التشبيه الباطل ووصفه بالنقائص، ولكن هذه سنة معلومة للجهمية: يسلبون عن ربهم صفات الكمال فراراً من التشبيه بالكامل من الموجودات، ويصفون بالسلوب المتضمنة صفات النقص التي يشبهونه فيها بالجمادات والمعدومات والممتنعات، فإن العدم علم لا يشار إليه، كما أنه لا يرى، وكل ما يوصف به العدم المحض لم يكن كمالاً، بل هو إلى النقص أقرب.

وأما ما ذكره من سكوت الشريعة عن النفس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015