وإنما نفوا عن الأول ذلك لكونه ليس جسماً عند أرسطو وأتباعه، ولا دليل لهم على ذلك إلا كون الجسم لا يمكن أن يكون فيه حركة غير متناهية، بناء على أن الجسم متناه، فيمتنع أن يتحرك حركة غير متناهية.
هذه الحجة عمدتهم، وهي مغلطية من أفسد الحجج، فإنه فرق بين ما لا يتناهى في الزمان، بل يحدث شيئاً بعد شيء، وبين ما لا يتناهى في المقدار، والنزاع إنما هو في حركة الجسم دائماً حركة لا تتناهى، ليس هو كونه في نفسه ذا قدر لا تتناهى، فأين هذا من هذا؟ وهذا مبسوط في موضع آخر.
ويقال لهم: حدوث الحوادث عن فاعل لا يحدث فيه شيء: إما أن يكون ممكناً، وإما أن يكون ممتنعاً، فإن كان ممكناً أمكن حدوث الحوادث جميعها عن الأول بدون حدوث شيء، كما يقوله من يقوله من أهل الكلام وغيرهم من المعتزلة والكلابية وغيرهم، وإن كان ممتنعاً بطل قولهم بحدوث الحوادث الدائمة عنه مع أنه لم يحدث فيه شيء، وهذا أفسد.
وإذا قالوا: أولئك خصصوا بعض الأوقات بالحدوث بدون سبب حادث من الفاعل.
قيل: وأنتم جعلتم جميع الحوادث تحصل بدون سبب حادث من الفاعل.
وإذا قلتم لهم: كيف يحدث بعد أن لم يكن محدثاً بدون حدوث قصد ولا علم ولا قدرة؟
قالوا لكم: فكيف تحدث الحوادث دائماً بدون حدوث قصد ولا علم ولا قدرة؟ بل بدون وجود ذلك؟ وأنتم تقولون: يحدث للفلك تصورات وإرادات،