الذي يقصده من أن كماله بفعله الذي هو بعقل ذاته، إذ قد سلم أن ذاته في غاية الكمال والشرف والجلال، فليس كمالها بفعل من الأفعال: لا بعقل ذاته، ولا بعقل غيرها، بل تعقلها لذاتها فعل شريف كامل، صدر عن شرف الذات وكمالها، فكان كمال الفعل لكمال الذات، لا كمال الذات لكمال الفعل، وقد سبق هذا.
قال: وأما قوله: وهذا يوجد هكذا دائماً، من دون تعرف أو حس أو رأي أو تفكر -فهذا ظاهر جداً، فإن الإدراك والتعقل التام للأمر القديم الدائم، من العاقل التام القديم الدائم، تام قديم دائم لا محالة.
وقوله: فإنه إن كان معقول هذا العقل غيره، فإما أن يكون شيئاً واحداً دائماً، وإما أن يكون علمه بما يعلمه واحداً بعد آخر -فجوابه أن يعقل ذاته ويعقل غيره، فيعقل الدائمات دائماً، ويعقل المتجددات عقلاً قديماً دائماً، من حيث قدمها النوعي والمادي، والذي من جهة العلل الفاعلية والغائية، فتعقلها في تغيرها، على وفق تغيرها.
ولا يكون ذلك التغير فيه، بل فيها، وهو يعقلها كلها على ما هي عليه، كما نعقل نحن بعضها فنعلم عينها وأنها ستكون، ومساوقتها وأنها