فلم يكن كونه ملزوماً لغيره نقصاً، فكيف يكون كون علمه ملزوماً للمعلوم نقصاً، مع أنه هو خالق المعلومات؟

الوجه الثالث

جواب من يقول: إنه يعلم الأشياء كلها بعلم قديم أزلي، وأنه لا يتجدد عند تجدد المعلومات إلا تعلق العلم بها، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام، ومن اتبعهم من الفقهاء، فهؤلاء يقولون: إن العلم لا يقف على شيء أصلاً، بل هو حاصل أزلاً وأبداً على وجه واحد.

الوجه الرابع

جواب من يقول: إنه يعلم الشيء موجوداً بعد أن علمه معدوماً، وأن هذا الثاني فيه زيادة على الأول، فهؤلاء يقولون: لم يحصل المعلوم والعلم الثاني إلا بقدرته ومشيئته، فما استفاد شيئاً من غيره، ولا كمل بغير نفسه.

ويقولون: إن ما لا يكون إلا بمشيئته وقدرته، يمتنع وجوده في الأزل، ووجوده بقدرته ومشيئته أكمل من عدم وجوده، فوجوده على هذه الحال هو غاية الكمال، وعدم هذا الكمال هو النقص الذي يجب تنزيهه عنه، فإنه كمال ممكن الوجود لا نقص فيه، وكل ما كان كذلك كان واجباً له، إذ لو لم يكن واجباً له، لكان: إما ممتنعاً -وهو خلاف الفرض- أو ممكناً، وحينئذ فالمقتضى له هو ذاته بلوازمها، وقد وجد ذلك، فيجب وجوده، وإلا فيكون ممتنعاً.

وهو خلاف الفرض.

وبهذين الجوابين يزول ما يقدح به كلام أبو البركات، حيث جعل العقل بالفعل ليس كمالاً، وإنما الكمال في القدرة عليه، ولم يجعل الكمال إلا في عقل الأفضل لا الأدنى، فإن هذا مما نازع فيه.

ويقال: ما كان كمالاً، إذا كان بالقوة فهو إذا صار بالفعل أكمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015