قالوا: فوجه الدليل قوله: (به يعرف الله ويعبد) .
وهذا الكلام معروف عن معاذ بين جبل رضي الله عنه، رووه عنه بالأسانيد المعروفة.
وهو كلام حسن، ولكن روايته مرفوعاً فيه نظر.
وفيه: أن الله يعرف ويعبد بالعلم، لا بمجرد الغريزة العقلية.
وهذا صحيح لا ينازع فيه من يتصور ما يقول.
ومن يقول: إن المعرفة تحصل بالعقل، يقول: إنما تحصل بعلوم عقلية، أي يمكن معرفة صحتها بنظر العقل، لا يقول: إن نفس العقل - الذي هو الغريزة ولوازمها - يوجب حصول المعرفة والعبادة.
وقد تنازع كثير من الناس في مسمى العلم والعقل، أيهما أشرف؟ وأكثر ذلك منازعات لفظية.
فإن العقل قد يراد به: الغريزة، وقد يراد به: علم يحصل بالغريزة.
وقد يراد به: عمل بالعلم.
فإذا أريد به علم كان أحدهما من جنس الآخر.
لكن قد يراد بالعلم: الكلام المأثور عن المعصوم.
فإنه قد ثبت أنه علم، لقوله: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} .
وأمثاله.
ويراد بالعقل: الغريزة.
فهنا يكون أحدهما غير الآخر.
ولا ريب أن مسمى العلم بهذا الاعتبار أشرف من مسمى العقل.
فإن مسمى العلم هنا كلام الله تعالى، وكلام الله أشرف من الغريزة التي يشترك فيها المسلم والكافر.
وأيضاً فقد تسمى العلوم المسموعة عقلاً، كما قيل: