ولما رأينا المسلم يرتد عن الإسلام، مع وجود عقله الذي كان به قبل الارتداد مؤمناً، علمنا أن المعرفة حصلت له بغير ذلك.
وكذلك نرى المؤمن بالله يذهب عقله، ويحكم بجنونه، وهو باق على المعرفة، مقر بالتوحيد، عارف بالله.
وعقلاء كثيرون يكفرون بالله ويشركون به.
فدل على أن المعرفة مستفادة بمعنى غير العقل.
وهذا الكلام يقتضي أن مجرد الغريزة ولوازمها لا تستلزم المعرفة الواجبة على العباد.
وهذا مما لا ينازع فيه أحد، فإن من يقول: إن المعرفة تحصل بالعقل، يقول: إن أصل الإقرار بالصانع يحصل بعلوم عقلية، ولكن ليس ذلك هو جميع المعرفة الواجبة، ولا بمجرد ذلك يصير مؤمناً.
وهذا العقل هوالعقل الذي هو شرط في الأمر والنهي.
وقد يراد بالعقل ما تحصل به النجاة.
كما قال تعالى عن أهل النار: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} .
وقال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} .
وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} .
وقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ، وأمثال ذلك في القرآن.
واحتجوا على أن المعرفة لا تحصل بمجرد العقل، بقوله تعالى: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم