قلت: ولقائل أن يقول: تقرير العلو بالأدلة العقلية ثبت من طرق:
الطريق الأول: أن يقال: إذا ثبت بالعقل أنه مباين للمخلوقات، وثبت أن العالم كري، وإن العلو المطلق فوق الكرة، لزم أن يكون في العلو بالضرورة.
وهذه المقدمات عقلية ليس فيها خطابي، وذلك لأن العالم إذا كان مستديراً فله جهتان حقيقيتان: العلو والسفل فقط، وإذا كان مبايناً للعالم، امتنع أن يكون في السفل داخلاً فيه، فوجب أن يكون في العلو مبايناً له.
وقد تقدم أن النافي قال: (إن العالم كرة) واستدل على ذلك بالكسوف القمري إذا كان يتقدم في الناحية الشرقية على الغربية.
والقول بأن الفلك مستدير هو قول جماهير علماء المسلمين، والنقل بذلك ثابت عن الصحابة والتابعين، بل قد ذكر أبو الحسين بن المنادي، وأبو محمد بن حزم، وابن الجوزي، وغيرهم: أنه ليس في ذلك خلاف بين الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين، وقد نازع في ذلك طوائف من أهل الكلام والرأي، من الجهمية والمعتزلة وغيرهم.
وقال الله تعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33] ، وقال: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} [يس: 40] .