ذلك، يمتنع اتفاقهم على الخطأ في مثل ذلك، ولو جاز الخطأ في مثل ذلك، لم يكن الجزم بما يخبر به الناس عما عرفوه بالحس أو الضرورة لإمكان غلطهم في ذلك، فإن غلط الحس الظاهر أو الباطن أو العقل يقع لآحاد الناس، ولطائفة حصل بينها مواطأة، وتلقي بعضها عن بعض، كالمذاهب الموروثة، وكقول التابعين، لكون هذا معلوماً بالضرورة، فإنهم أهل مذهب تلقاه بعضهم عن بعض.
وأما الجازمون بالضرورة في أن الله فوق العالم، أو أنه لا يعقل موجود قائم بنفسه لا يشار إليه، ولا يعقل موجودان ليس أحدهما محايثاً للآخر ولا مبايناً له، وأن مثل هذا ممتنع بالضرورة التي يجدونها في أنفسهم، كسائر العلوم الضرورية، فهؤلاء أمم كثيرة لم يتواطأوا ولم يتفقوا على مذهب معين.
وأما قوله: (وبقي القسم الثالث، فهذه المقدمة توجب الدور لتوقف ثبوتها على نفيها) .
فليس الأمر كذلك، لأن هذه المقدمة الضرورية لا يتوقف ثبوتها على نفي ما يعارضها، كسائر المعارف الضرورية، بل نعلم بالضرورة أن ما عارضها من النظريات فهو باطل على سبيل الجملة، وإن لم نذكر حل الشبه على وجه التفصيل، كما نعلم فساد سائر النظريات السوفسطائية المعارضة للعلوم الضرورية.
وإذا قال قائل: لا تثبت هذه المقدمة حتى ينفي المعارض المبطل لها، ونفسي ذلك لا يكون إلا بثبوتها.