مبني على هذه المقدمات الثلاث، فإن لم تثبت الثلاث بطل كلامكم، فكيف إذا تبين بطلان واحدة منها، فكيف إذا تبين بطلانها كلها.

وبيان ذلك في كل مقام.

المقام الأول

أما المقام الأول: فإن المثبتين قالوا: إنهم يعلمون بالبديهة امتناع وجود موجودين لا يكون أحدهما سارياً في الآخر ولا مبايناً له بالجهة، وانه لا يمكن وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن الإشارة إليه، بل قد يقولون: إن علمتم بأن الله فوق العالم علم ضروري فطري، وأن الخلق كلهم إذا حزبهم شدة أو حاجة في أمر وجهوا قلوبهم إلى الله يدعونه ويسألونه، وأن هذا أمر متفق عليه بين الأمم التي لم تغير فطرتها، لم يحصل بينهم بتواطئ واتفاق.

ولهذا يوجد هذا في فطرة الأعراب والعجائز والصبيان، من المسلمين واليهود والنصارى والمشركين، ومن لم يقرأ كتاباً ولم يتلق مثل هذا عن معلم ولا أستاذ.

وهذا القدر ما زال يذكره المصنفون في هذا الباب، من أهل الكلام والحديث وغيرهم.

قالوا: وإذا كان مما يجيز هؤلاء الذين لم يتواطئوا بثبوته عندهم كانوا صادقين، فإنه يمتنع على الجمع الكثير الكذب من غير تواطئ وبمثل هذا علم ثبوت ما يخبر به أهل التواتر مما يعلم بالحس والضرورة، فإن المخبر إذا لم يكن خبره مطابقاً فإما أن يكون متعمداً للكذب، وإما أن يكون مخطئاً، وتعمد الكذب يمتنع في العادة على الجمع الكثير من غير تواطئ والخطأ على الجمع الكثير ممتنع في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015