فجاءه مدد من أخلاط الناس والمرتزقة محملا مصر تضحيات جديدة -وكانت في كل حملة تضحيات من النفوس والأموال- وشكا الناس واستغاثوا بمشايخ العلماء فلم تجد الشكاوى ولم يقف سيل التضحيات1.
ومات سعود فوافى الحظ والي مصر إذ لم يجد الوهابيون بدا من فك حصارهم للطائف وكانوا قد حاصروها، وحان لمحمد علي أن يكسب معركته عند سبل، ثم توالت مكاسبه، فطلب عبد الله بن سعود الصلح -وكان قد تولى الإمارة بعد أبيه- فأجيب إلى طلبه وتهادن الطرفان، ورجع محمد علي إلى مصر ليراقب مؤامرة توشك أن تنصب له2.
ولم تنفذ شروط الصلح من الطرفين فانتهت الهدنة واستؤنف النّزاع، وقاد الحملة الجديدة إبراهيم بن محمد علي.
وبعد معارك طويلة مريرة انتهى الأمر بإبراهيم إلى احتلال الدرعية مكان انبثاق الدعوة والتعاقد على نصرتها. وقد بذل أهل الدرعية جهد ما فوق الطاقة دفاعا عن بلدهم مما استوجب عنف الغازي عليهم بعد هزيمتهم عنفا بالغ الجسارة. وسلم الأمير عبد الله نفسه ووقف القتال بعد حرب دامت سبع سنوات.
وقد انتهى هذا النّزاع الأول بأن تصور محمد علي أنه بسط نفوذه على بلاد العرب، ولكنه كان واهما، إذ سرعان ما تقلص ظل الوهم وتبين له خطأ تصوره، وتحققه قبل أن يموت، فتنازل عن الحرمين منصرفا لأمر علاقاته مع الباب العالي، بعد أن كلفته هذه الحملات ثمنا باهظا أثمن ما فيه سخرية التاريخ3.
ولقد كثرت نتائج الحروب الوهابية وآثارها وشملت الأمكنة التي وقع فيها القتال والتي حشدت له والتي لم تحشد، وتناولت العباد والعتاد والأفكار.