وخلف ابن تيمية من الكتب والرسائل في الخلافات الجارية ما لم يبلغ مبلغه أحد من مصنفي المسلمين، تنقية وجدالا ومحاجة وتقريرا، وصارت كتبه ورسائله ينابيع ثرة يردها كل ذي غلة ويصدر عنها راويا، وأضواء ساطعة يسير فيها كل من أراد الهداية من الحيرة والسير في الطريق المستقيم.
وقد تبعه في علمه ومزاجه وطريقته ابن القيم فوسع وأكمل وحرر، ثم خلف مثل شيخه كتبا ذات قيمة نفيسة في اللغة والحديث والسنة والسيرة والفقه والتفسير، لا يستغني عنها وارد ماء ولا راشف دواء.
وليس من غارة شنت على آراء جهم بن صفوان المنحرفة عن جادة الحق بعد الظاهرية أشد من الغارة التي شنها تقي الدين وصاحبه شمس الدين، وقد رد هؤلاء جميعا استدلالات الجهمية وغيرهم، بالعقل والنقل، حتى كسروا جيوشهم وردوها فلولا وأشلاء1.
وشيخ الظاهرية كان داود الأصفهاني، حارب القياس الباطل وأظهر أن في الكتاب والسنة ما يفي بمعرفة الواجبات والمحرمات، وقدم ظواهر آيات القرآن والحديث على التعليل الفعلي للأحكام، وكانت وفاته في سنة 270 هـ2 قريبا من وفاة شيخ الأمة أحمد بن حنبل الذي توفي في سنة 241 هـ.
وآخر أعلام الظاهرية علي بن أحمد بن حزم القرطبي الذي قال ببطلان القياس ورد على أتباع المذاهب المقلدين وصنف في الصحاح وفتاوى الصحابة والتابعين وأقضيتهم، وذاد عن الإسلام ذودا شديدا وتوفي في سنة 456 هـ3.