ثم نزل ودخل منزله، فلم يخرج حتى مات رحمه الله تعالى (?). لقد أراد معاوية بن يزيد أن يقول لهم إنه لم يجد مثل عمر، ولا مثل أهل الشورى، فترك لهم أمرهم يولون من يشاءون، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية أخرى للخطبة عن ابن الأثير قال فيها: أما بعد، فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم، فاختاروا لها من أحببتم .. ثم دخل منزله وتغيب حتى مات (?).

واعتبر هذا الموقف منه دليلاً على عدم رضاه عن تحويل الخلافة من الشورى إلى الوراثة (?)، فقد رفض أن يعهد لأحد من أهل بيته حينما قالوا له: اعهد إلى أحد من أهل بيتك، فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها، وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها، اللهم إني برئ منها، متُخل عنها (?)، وجاء في رواية: قيل له: ألا توصى؟ فقال: لا أتزوّد مرارتها وأترك حلاوتها لبنى أمية (?). وتعتبر حادثة تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة حادثة نادرة في التاريخ الإنساني؛ لقد عرفت استقالات، فيها إكراه مادي أو معنوي. أما أن ملكًا استقال، لأن في أمته من هو خير منه، فهذا ما لم نقع عليه، وأية محاسبة للنفس أرفع من هذه؟! (?).

وإذا كان معاوية بن أبى سفيان - أول الخلفاء الأمويين - قد حول الخلافة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015