قال: وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبًا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا، انتهى.

وفي الحديث مشروعية التنفيل؛ ومعناه: تخصيص مَن له أثر في الحرب بشيء من المال، قال ابن عبد البر: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس، لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها ممَّا غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس، بشرط أن لا يزيد على الثلث اهـ، وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الإمام، والله أعلم.

* * *

الحديث العاشر

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا جمع الله الأوَّلين والآخِرين يرفع لكلِّ غادرٍ لواء، فيُقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) .

قوله: ((يرفع لكلِّ غادر لواء)) وفي رواية لمسلم من حديث أبي سعيد: ((يرفع له بقدر غدرته عند أسته)) قال ابن المنير: كأنه عُومِل بنقيض قصده؛ لأن عادة

اللواء يكون على الرأس فنصب عند السفل زيادة في فضيحته؛ لأن الأعين غالبًا تمتدُّ إلى الألوية فيكون ذلك سببًا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة.

وقال القرطبي: هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل؛ لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته يوم القيامة فيذمه أهل الموقف، انتهى.

وفي الحديث غلظ تحريم الغدر سواء كان من برٍّ لفاجر أو من برٍّ لبرٍّ، أو كان من فاجر لبرٍّ أو فاجر ولا سيَّما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدَّى ضرره إلى خلق كثير، وفيه أن الناس يدعون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء آبائهم.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015